الوعي المجتمعي

في خضم المواجهات المستمرة التي تخوضها الشعوب المستضعفة ضد قوى الاحتلال والاستكبار، يتجلّى أن ساحة المعركة لم تعد محصورة في الميدان العسكري فحسب، بل امتدّت إلى الاقتصاد، والإعلام، والثقافة، والتكنولوجيا، والخطاب العام. 
وبالتالي، لم يعد يكفي أن نمتلك مقاومة عسكرية شجاعة ومبدعة، بل أصبح من الضروري أن نمتلك مجتمعًا مقاومًا واعيًا، قادراً على احتضان هذه المقاومة، وتغذيتها، والدفاع عنها، والترويج لها، وتطويرها أيضاً. 
الوعي هنا لا يعني مجرد المعرفة، بل يعني الرؤية النقدية، والقدرة على التحليل، والتحصين الثقافي، والتموضع السياسي السليم، والاستعداد للتضحية إن لزم الأمر. فالمجتمع المقاوم لا يُبنى بالشعارات، بل ببنية وعي صلبة، تؤمن أن المقاومة خيار استراتيجي وليست مجرد رد فعل ظرفي.

ان دورنا لا يُختزل في معرفة عدوّنا، بل يشمل أولاً معرفة أنفسنا: من نحن؟ ما هي قضيتنا؟ كيف نقرأ ذاكرتنا التاريخية؟ ما علاقتنا بالهوية، وبالدين، وبالقيم؟ كيف نفهم فلسطين؟ كيف نقرأ الصراع؟ ما موقعنا من المشروع الغربي الذي يُحاصرنا اقتصاديًا ويغزونا ثقافيًا ويشوّه رموزنا؟ هذا النوع من الأسئلة يشكّل العمود الفقري لبناء وعي جمعي مقاوم، لأن أخطر ما يمكن أن يصيب مجتمعًا يقاوم هو أن يُفرغ من داخله: أن يُصاب بالتشكيك، أو أن يتحوّل إلى مجرد متلقٍّ للأحداث، لا منتج لها.

الواجب التبيني

يتحدث حسن عن مرحلة مفصلية في الوعي الإعلامي، لحظة اختبرت فيها الوسائل الاعلامية قدرتها الحقيقية على التأثير، وكشفت في الوقت نفسه مدى الفراغ الذي تركه الإعلام العربي في عقول وفكر الناس.
 
منذ بداية طوفان الأقصى، اتّضح أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل في الرواية. في الفضاء الرقمي، لم يكن جمهور المقاومة في العالم العربي موجودًا فعلًا كما ظنّ البعض، بل بدا كأنه خارج المعادلة تمامًا


 مع  هذا الغياب، ظهر محتوى قطيش وأمثاله كحالة طوارئ إعلامية، هدفها الأول إعادة ربط الإنسان العربي بقضيته. لكنّ المعضلة لم تكن فقط في غياب المعلومة، بل في تشويه متراكم وزمن طويل من التعتيم جعل شرائح واسعة من المجتمعات العربية لا تعرف شيئًا عمّا سبق السابع من أكتوبر. 

وفي ظل هذا التعتيم، عرض الحقيقة ببساطة لم يعد كافيا، فالأمر تطلب خطابًا مختلفًا، وأسلوبًا يستفز، يحفّز، ويوقظ. انطلقت التجربة من قناعة أساسية: إن لم يستطع المحتوى أن يغيّر أو يهزّ، فعلى الأقل يجب أن يُسمِع. من هنا جاء التنويع في الأسلوب: مقاطع غنائية، إسقاطات ساخرة، مواقف جريئة، فيديوهات صادمة أو مستفزّة
 
لكن الاستفزاز في المجتوى المقدم ما كان لغاية الإثارة، بل كجزء من خطة واعية، تستهدف كسر الحياد الكاذب، وإجبار الجمهور على إعادة النظر.
 

في هذا السياق، هدف صناعة المحتوى هو رفع الحجاب عن عيون من لا يعرف، أو من لا يريد أن يعرف وليس لحشد التأييد. المحتوى هنا لم يعد فقط وسيلة للتعبير، بل واجبًا أخلاقيًا، ومسؤولية تجاه جيل يتلقى روايته من مصادر موجهة، أو من خوارزميات تصنع له واقعًا مناسبًا خالٍ من الحقيقة.

دور الشباب الإعلامي

شدّد عباس على أن الساحة الإعلامية، رغم كل الرقابة والانحياز، ما زالت مساحة مفتوحة نسبيًا يمكن استثمارها، شرط أن يُدرك الشاب أنه ليس خارج المعركة.

 الهاتف المحمول، الكاميرا، وحتى بوست بسيط على إنستغرام أو تويتر، يمكن أن يكون له تأثير حقيقي إن وُجّه نحو البوصلة الصحيحة. 
من هنا، يرى عباس أن المطلوب من الشباب ليس فقط أن يعبّروا، بل أن يتحمّلوا مسؤولية التبيين، والنقل، والمشاركة الواعية. في زمن تُصاغ فيه القضايا بالصورة، وتموت فيه الحقائق بالصمت، لا يكون الوقوف على الحياد بريئًا. فالصمت قد يُفسّر كقبول، والتردّد يُسهّل على الخوارزميات دفن القضايا. 

لذلك، يوجّه عباس خطابه إلى جيل الشباب الإعلامي الذي يعيش وسط هذه المعركة دون أن يشعر أحيانًا، ويدعوه إلى أن يتحرّك، لا بردّ الفعل فقط، بل بالفعل المنظّم، المدروس، والمؤثّر. هذا المقطع يختصر ما يمكن تسميته بـ الواجب الإعلامي، لا كترف فكري أو هامش جانبي، بل كجزء أصيل من جبهة الوعي والمقاومة. فالرواية لا تنتصر فقط على الأرض، بل في الوعي العام، وهناك بالضبط تبدأ مهمة الجيل الجديد
.